الجرم في القرآن المكرم

 



الجرم في القرآن المكرم

 

جرم لغة:

الجرم أصل واحد، فالرجم هو القطعُ. والجارم هو صارم النخل. وجاء زمن جارم. وجرمت صوف الشاة. والجرامة ما سقط من التمر إذا جُرم. والجرامة ما التقط من كربِهِ بعد ما يصرم. وسنة مجرمة أي تامة. وتجرم الليل أي ذهب. والجرام والجريم هو التمر اليابس. وجَرَمَ أي كسب. وفلان جريمة أهله أي كاسبهم. والجُرم والجريمة أي الذنب. ولا جرم أي لا كسب، وقيل بلا لا أسن من ذلك. وقيل، بل تعني حقاً. والجسم جرمٌ لأنه له قدراً وتقطيعاً.  والجارم هو الكاسب. وجرمَ هو الكسب  ([1])

 

الجرم في القرآن

كما هي العادة ضعف المعاجم في سبر معنى الجرم في القرآن، وسنجد عند البحث في هذا الجذر أنه لا يتعلق بالأفعال مطلقاً، بل بالأقوال مثل التحريض والتكذيب وإثارة الشبهات والشكوك في دعوات الرسل، فالجرم هو جزء من الإثم، أي من الذنوب التي تخرج من الفم، وقد شرحنا معنى الإثم في المعجم القرآني والذي تبين لنا أنه يعني كل ذنب يخرج من الفم أو النجوى مع النفس والعقل.

فالجرم هو إثم لكنه مختص بالدين، فالافتراء على الله جُرم، ونشر الشبهات، والسخرية من الأنبياء والرسل، وكل كلام يطعن في الدين وفي الرسل الذين يحملونه للناس.

والجرم هو أعظم الذنوب، والتي تجعل صاحبها يثوي في أشد الأماكن في النار عذاباً، ذلك أن هذا الجرم وهو تضليل العامة أشد فتكاً من فعل المنكر، ففيه خراب الدنيا والآخرة، فعندما يفتي مفتي بتكفير أحدهم، فإن وزر عمله أشد ممن ينفذه عن غباء وجهل.

نعم إن المجرم لم يحرك يده لقتل أحدٍ، ولكنه حرك لسانه وقلمه لقتل المئات والألوف، لأنه شرعن للقتل، فالقاتل في القرآن لا يسمى مجرماً، بل فاجراً كما سوف نرى.

 

أوضح الآيات في هذا الشأن:

سنجد كل الآيات تؤكد على أن الإجرام ليس عمل هو مجرد كلام وتنظير ووضع العقائد وتكذيب الرسل. وفي الآيتين التاليتين معنى في منتهى الوضوح حول أن الجريمة هي كلام وليس فعل.

{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ }  [هود: 35].

{ قُل لَّا تُسْءَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْءَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ }  [سبأ: 25].

فالنبي محمد عليه السلام يقول لهم: إن ما أتيت به ليس افتراءً، ولو كان افتراءً فذنب إجرامي يقع على ذاتي وليس عليكم.

فهل قام الرسول بقتل أحدهم حتى يوضح لهم أن ما فعله جريمة؟

بالطبع لا، فلو كان معنى جريمة هي القتل وما شاببها، لاستحال أن يقول الرسول عن دعوته أنها جريمة، فهو لم يقتل أو يفعل الموبقات. كل ما فعله هو نشر الرسالة لا أكثر ولا أقل.

وعندما يتم التعرض للمجرمين في القرآن سنجد أن الآيات التي قبلها أو بعدها تشير إلى أهل التفكير والتشريع، والمواجهة الفكرية، فهم من يتصدى للرسل، ويردون عليهم ويثيرون الشبهات ويمارسون الجدل الباطل ويكذبون ويفعلون كل ما يمكنهم من زيغ لكي يقنعوا أتباعهم ببطلان ما جاء به الرسل.

وبهذا يتضح أن الرسول محمد الكريم، يوضح لقريش أنه لو افترى على الله فهذا يعني أنه أجرم أي فعل جريمة فكرية قولية، وحينها سيكون عليه إجرامه وليس عليهم، أي أن ما افتراه سيكون عليه الوزر وحده، كذلك هم وما يفترونه على الله، فإن الرسول بريء من زعمهم هذا وبهذا لا يحق لهم ولا له الاقتتال، فكل شخص يدعو لما يزعمه والآخرين أبرياء من فعله.

لا يجرمنكم:

جاء هذا المصطلح في ثلاث مواضع في القرآن، ويقصد به لا تخترعوا الحجج العقلية التي تبرر لكم عدوانكم، أو تختلقوا أكاذيباً، ففي آية المائدة حذر المولى أهل المدينة وما حولها من شرعنة الاعتداء على شعائر الحج والعمرة وعلى استحلال الشهر الحرام بحجة أن كفار قريش هم من بدأوا بالبغضاء والعدوان، حتى لو صدوكم عن المسجد الحرام، فيجب عليكم أن تتعاونوا على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان، وقد بينا أن الإثم هو كل ذنب يخرج من الفم، وقد يكون المقصد هنا هو الشتم والهجاء، وقد يكون المقصد من كلمة الإثم هو اختراع الحجج لتبرير العدوان ضد قريش، وإن كنت أرجح المعنى الثاني، حيث كان كل طرف يبحث عن حجج وشبهات، لكي يبرر عدوانه، أقصد بذلك كفار قريش من طرف، وبعض الذين آمنوا من أهل المدينة والذين لديهم عداوات سابقة مع قريش.

{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَٰئِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَٰئِدَ وَلَا ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَٰنًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَءَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَٰنِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }  [المائدة: 2].

كما أمر المؤمنين في الآية الثانية، بالعدل أي المساواة، وعدم اختراع حجج لتبرير العدوان على الآخرين (لا يجرمنكم). أي لا يدفعكم شنآن قومٍ على أن تشرعنوا لأنفسكم عدم العدل معهم

{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَءَانُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }  [المائدة: 8].

وهذا الرسول شعيب، يحذر قومه، من شرعنة تصرفاتهم معه ومع أتباعه (لا يجرمنكم) بسبب انشقاقه عنهم فكرياً، وقد بينوا له أنهم لولا رهطه لرجموه، وقد شرعن لهم هذا الأمر منظروهم.

{ وَيَٰقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي }  [هود: 89].

 

لا جرم

وردت لا جرم في القرآن خمس مرات، وزعموا في كتب اللغة أنها تعني لا أحسن من ذلك أو لا محالة أو لابد.

ولكن المعنى واضح جداً وبسيط، فتلك النصوص تقول: أنه ليس هناك افتراء وإفك إن قلتم إن هؤلاء هم الأخسرون يوم القيامة، أو قلتم إن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، أو قلتم إن هؤلاء لهم النار يوم القيامة، أو قلتم إن كلام الكفار مزيف لا واقع له في الدنيا ولا الآخرة، فكل تلك الأقاويل لا جرم فيها، أي لا إفك فيها، ولا عدوان، فهي حقيقة واقعة في الكفار.

{ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْءَاخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ }  [هود: 22].

{ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }  [النحل: 23].

{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ }  [النحل: 62].

{ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْءَاخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَٰبُ النَّارِ }  [غافر: 43].

{ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْءَاخِرَةِ هُمُ الْخَٰسِرُونَ }  [النحل: 109].

فهذه الأقوال عن الكفار، ليست لغرض شرعنة الاعتداء عليهم أو سلب حقهم، بل المقصد بها توضيح حقيقتهم يوم القيامة، وأن ذلك ليس فيه افتراء أو إفك أو كذب. والغرض من ذلك التوضيح للناس مدى حقارتهم ودناءة دينهم. وهذا أمر غاية في الأهمية لحماية المسلمين من إتباعهم.

أمثلة على إجرام السابقين:

ولو مررنا مرور الكرام على بعض الأمثلة، لوجدنا بعض الصور على ما فعله هؤلاء حتى نالوا صفة الإجرام فمن ذلك كفار قريش

ﵟثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّـُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٤٣ وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٤٤ قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٤٥ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَﵞ [الأنعام: 143-146] 

ﵟفَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمۡ ذُو رَحۡمَةٖ وَٰسِعَةٖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُهُۥ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٤٧ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ ١٤٨ﵞ [الأنعام: 147-148] 

في هذه الآية من سورة الأنعام التي ذكر فيها مصير المجرمين بين قبلها أن هؤلاء يفترون على الله في محرمات عجيبة يمكن الاطلاع عليها، ليتبين لك سخف إجرامهم أي اختلاقهم الكذب على الله. ثم يبين في الآية التالية دفاعهم عن أنفسهم بأن الشرك وتلك الفتاوى العجيبة في الأطعمة، لو كان الله غير راض عنها لم جعلنا نفعلها.

 

وفي هذه الآية من سورة الأعراف

يتعجب النص الذي قبله كيف لهم أن يفتروا على الله ويحرموا زينته، وما أخرج لعباده، والطيبات، وهذا إجرامهم ومن ضمنه تشريع الشرك.

ثم في الآيات التاليات ينشأ حوار وجدل ودعاء في النار بين الكفار بين التابعين والمتبوعين، ليبينوا أن الرؤساء هم من أضلهم، وهذا هو جرمهم، فالجرم هو الافتراء والكذب على الله وإقناع العامة به.

ﵟقُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٣٢ قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٣ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ ٣٤ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٣٥ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٣٦ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ يَنَالُهُمۡ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوۡنَهُمۡ قَالُوٓاْ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَﵞ [الأعراف: 32-37] 

ﵟقَالَ ٱدۡخُلُواْ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ فِي ٱلنَّارِۖ كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعٗا قَالَتۡ أُخۡرَىٰهُمۡ لِأُولَىٰهُمۡ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمۡ عَذَابٗا ضِعۡفٗا مِّنَ ٱلنَّارِۖ قَالَ لِكُلّٖ ضِعۡفٞ وَلَٰكِن لَّا تَعۡلَمُونَ ٣٨ وَقَالَتۡ أُولَىٰهُمۡ لِأُخۡرَىٰهُمۡ فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ ٣٩ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلۡخِيَاطِۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ [الأعراف: 38-40] 

قوم لوطٍ

وقوم لوط قام عملهم كله على الافتراءات على الله، ومن ضمن جرمهم أنهم حثوا العامة على طرد لوط من القرية لأنهم أناس يتطهرون، فيبدو أنهم غسلوا عقول العامة، فاعتبروا الطهر عار وعيب.

ﵟوَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ ٨٢ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ ٨٣ وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ [الأعراف: 82-84] 

فرعون والملأ

ومن جرائم فرعون وملأه، الزعم أن موسى مفسد، وأنه يحث على عدم عبادة الأرباب وأنه مجرد ساحر. وحرض فرعون على قتل الأبناء واستحياء النساء، وهذا بعض جرمهم، أي توجيه العامة إلى فعل الفجور بقوم موسى، فهم من كان يدير العقول ويغسلها، لهذا وصف فرعون بالإجرام هو الملأ ووصف أتباعه بالفجور، لأنهم منفذين فقط.

ﵟوَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ ١٢٧ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ ١٢٨ قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ ١٢٩ وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَﵞ [الأعراف: 127-130]

ﵟوَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِۦ مِنۡ ءَايَةٖ لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ ١٣٢ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا ‌مُّجۡرِمِينَ [الأعراف: 132-133]

كما تكرر سورة يونس حقيقة المجرم فرعون، أكبر مجرمي الأرض، الذي كذب الرسالة واستكبر واختلق أشياء عجيبة مثل أن موسى ساحر، كل هذا لكي يصد عن سبيل الله، فلهذا هو مجرم، ناهيك عن فجوره الذي تمثل في قتل الأطفال وسبي النساء.

ﵟثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا ‌مُّجۡرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰذَا لَسِحۡرٞ مُّبِينٞﵞ [يونس: 75-76]

 

قوم نوحٍ مجرمون

وقد لاحظ ذلك النبي الكريم نوح، وبين خطر المنظْر الذي ينظر للعامة، وهو رجل الدين الذي يحرض أتباعه على البطش بالمخالفين وقد نعتهم بالفجار الكفار، فالمشرع هو المجرم، والمنفذ هو الفاجر.

{ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا }  [نوح: 27].

إجرام المنافقون

والمنافقون في زمن الرسول كانوا مجرمين، ذلك أنهم كانوا يغسلون عقول اتباعهم بأمور كثيرة، منها الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، ويحثون العامة على عدم الإنفاق على المعارك الدفاعية.

ﵟ‌لَا ‌تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ ٦٦ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٦٧ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ هِيَ حَسۡبُهُمۡۚ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيمٞﵞ [التوبة: 66-68]

 

 الافتراء على الله هو الجريمة

 وفي سورة يونس يأتي النص واضحاً جداً فمن يفتري على الله أو يكذب آياته الواضحة، فهو من المجرمين، فهذا تعريف الجرم، عندما تشوش على الآخرين وتضلهم، فأنت بهذا تسوق معك جمهور من البشر إلى النار، فلهذا كان مصيرك يوم القيامة إلى أشد العذاب.

ﵟفَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ‌ٱلۡمُجۡرِمُونَ ١٧ وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ١٨ وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱخۡتَلَفُواْۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ١٩ وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَﵞ [يونس: 17-20]

ومن ضمن الجرم الذي ابتكروه هو طرح الشبهات على العامة، لصدهم عن الدين الحق، فمن ذلك طلبهم نزول الملائكة، أو رؤية الله، أو نزول القرآن دفعة واحدة، أو اتهام النبي بأنه مجنون، والاستهزاء به، ويقصد من ذلك إسقاط الرسل من أعين الناس، وتسهيل إهدار دمهم، فهذا هو جرمهم، فهم لم يطلقوا رصاصة واحدة، ولكن أطلقوا شبهات تفوق ألف رصاصة أضلت العامة.

ﵟ٥ وَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ ٦ لَّوۡمَا تَأۡتِينَا بِٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٧ مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوٓاْ إِذٗا مُّنظَرِينَ ٨ إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي شِيَعِ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٠ وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ١١ كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٢ﵞ [الحجر: 6-12]

ﵟوَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا ٢١ يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ ‌لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗاﵞ [الفرقان: 21-22]

ﵟوَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا مِّنَ ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيٗا وَنَصِيرٗا ٣١ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗاﵞ [الفرقان: 31-32]

 

الزعم إجرام

وكل من يزعم في الدين من عند نفسه، دون أن يملك دليلاً، ومخالفاً بذلك الفطر السوية، ومضاداً لدين الله فهو من المجرمين، فلو أنه قال ربما واحتمال، لكان خير له. أما الزعم بامتلاكه اليقين المطلق فهو الإجرام الذي حذر منه الدين بشدة.

ﵟوَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا ٤٨ وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِﵞ [الكهف: 48-49]

أو زعمهم أن الأصنام هي الآلهة والأرباب

ﵟوَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا ٥٢ وَرَءَا ‌ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗاﵞ [الكهف: 52-53]

أو زعمهم أن الله اتخذ ولداً

ﵟيَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ وَفۡدٗا ٨٥ وَنَسُوقُ ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرۡدٗا ٨٦ لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا ٨٧ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗا [مريم: 85-88]

أو زعم السامري ومن معه، أن العجل هو إله بني إسرائيل

ﵟفَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ﵞ [طه: 88]

المجرم أشد الناس عذاباً

وقد بينت الآيات أن المجرم وهو الذي يفتري على الله كذباً، سيكون أشد الناس عذباً، فهو يحشر يوم القيامة أزرقاً، ولعله من شدة الاختناق. وفي آية أخرى بسيماهم.

والمجرم هو الوحيد الذي ذكر أنه سيكون في جهنم وهي أشد أنواع النار عذاباً، على عكس الفاجر الذي سيكون في الجحيم، وهناك من سيكون في الحميم، كما شرحنا في كتابنا عن مناطق النار.

ﵟيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا ١٠٢ يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗاﵞ [طه: 102-103]

ﵟيُعۡرَفُ ‌ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِﵞ [الرحمن: 41] .

ﵟوَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ‌ٱلۡمُجۡرِمُونَ [يس: 59]

ولهم أشد العذاب وأذله

ﵟإِنَّ ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٤٧ يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَﵞ [القمر: 47-48]

ﵟوَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ‌ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ١٢ وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١٣ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَﵞ [السجدة: 12-14]

ﵟ إِنَّهُۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُۥ ‌مُجۡرِمٗا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ [طه: 74]

ﵟ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٞ وَمِن فَوۡقِهِمۡ غَوَاشٖۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَﵞ [الأعراف: 41]

 

لماذا كان المجرم أشد الناس عذاباً؟

ببساطة لأنه شيطان، فكما يغوي الشيطان البشر، فإن هذا المجرم الذي يضل الناس بفتاويه وبالتحريض والتكذيب ومحاربة أهل الحق، هو يقوم بدور الشيطان ذاته.

وهو يحرم الحلال ويحلل الحرام ليفسد المنظومة التشريعية كلها، فيجعل الناس في ضيق وضنك، وحيص بيص، ويدعو للدكتاتورية ويفرح بالطغيان، فهو حامي طواغيت الأرض، وإن ظهر في ثوب الحملان، فهو لا يقتل بيده ولا يستعبد بيده، ولكنه يبيح للغوغاء وللسلطان فعل ذلك.

ماذا لو عرف الناس معنى مجرم؟

لو أن المسلمين عرفوا هذا المعنى وأن كل من ينسب كلامه لله، أو يزعم من عنده أمر ديني دون دليل، أو يحرض ضد المؤمنين أهل الحق، وأن من يبتكر مذهباً بلا دليل، فهو من المجرمين. أقول لو انتشرت هذه الثقافة لامتنع كثير من الناس على التجرأ على بث الأفكار الدينية بالقوة، والزعم أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، مما يجعلهم يكفرون كل من يخالفهم ويهدرون دمه وماله.

فلو أدرك هؤلاء أو أدركت الشعوب خطورة المزاعم بلا دليل، لخف جنون المذاهب التي وصلت إلى المئات، ولضعف نشاط الشياطين.

الخلاصة:

سوف ينجلي غموض كثير من النصوص، عندما ندرك معنى الإجرام، وأنه يعني كل توجيه يضل الناس عن الدين الحق، سواء بنشر الضلال والزعم بصحته، أو الدعوة إلى محاربة أهل الحق وقتالهم. وأن المجرم في الغالب لا ينفذ أفكاره ومزاعمه ويتركها للعامة ولجنوده، فهو مجرد شيطان يلقي وسوسته.

    هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (1/ 445) «الزاهر في معاني كلمات الناس» (1/ 272)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -