وفد وزمر وورد في القرآن المكرم

 



وفد وزمر وورد في القرآن المكرم

جمعنا هذه المفردات في دراسة واحدة، ليس لأن بينها صلة من أي جهة، ولكن لأنها تبين حال الجموع البشرية يوم القيامة وفي جهنم، فقد ظنوا أنها بمعنى واحد وهو مقدار تلك الجماعات، بينما الحقيقة أنها ليست كذلك وأن كل مفردة تشير إلى حقيقة خاصة بتلك الجماعات.

وفد في القرآن المكرم

وفد في اللغة:

أصل صحيح يدل على إشراف وطلوع. والوفد ذروة الحبل من الرمل المشرف. والوفد: الأبل التي تسبق غيرها. والإيفاد الإسراع. والوافدان عظمان ناشزان من الخدين. وأوفد على الشيء أشرف ([1])

 

الوفد في القرآن

لم يرد جذر وفد إلا في نص كريم واحد هو:

{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا}  [مريم: 85].

وحسب المعاجم اللغوية التي تشير إلى معانٍ جيدة ومعقولة، فمنها الإشراف والطلوع، أي سيحشر المتقين في مكان مرتفع، وهذا يتسق مع نصوص أخرى التي تؤكد أن المتقين سيسكنون في جنات مؤقتة وقد سميت بالأعراف.

وهناك معن لغوي آخر للوفد وهو السباقون، وهذا قد ذُكر هذا المعنى في القرآن أيضاً، فهناك من يسبق إلى المحشر وهناك من يتأخر، فحال هؤلاء المتقين هو السبق على غيرهم.

لكننا نرجح المعنى الأول، ذلك لأن هناك فئة تميزت عن غيرها بالسبق وهم المقربون، نعم المتقين يسبقون غيرهم من البشر الذين في شقاء، ولكن ليسوا أول من يسبق أو يقرب، لكن القرآن ذكر أنهم سيكونون في مكان مرتفع مشرف. وهذا ما يستحقه المتقين، فهم الأقرب إلى الصالحين والأنبياء.

وقد يعني الوفد هنا أي سيتم حشر المتقين وهم في حالة تكريم كما تكرم الوفود، وتحترم وتعامل بتقدير، فهم ليسوا رعاع، بل يعاملون بكرامة كما يعامل السفراء والوفود المصاحبة لهم. وهذا لا يختلف عن المعنى الأول، بل يدعمه إذا أن حشر الناس في مكان مرتفع هو تكريم لهم وتقدير، وتوفير للطعام والغذاء لهم حتى يحين وقت الحساب، هو تقدير وتكريم لهم.

 

الزمر في القرآن المكرم

الزمر لغة:

أصلان أحدهما يدل على قلة الشيء، فالزّمرُ هو قلة الشعرِ، الزّمِرُ هو قليل الشعْرِ. ورجل زمرُ المروءة أي قليلها.

والأصل الثاني يدل على الأصوات، فالزّمرُ هو صوت النعامة، والجماعة من البشر يطلق عليها زمرة، لأن صوتها يصدر جلبة وزِمارٌ. والزمّارة هي البغية، التي تكسب من وراء الجنس، فقيل بسبب صوتها، وقيل بسبب أنها تزمر بحاجبيها للرجال ([2])

 الزمر في القرآن

لم يرد هذا الجذر إلا مرتين، بدون مشتقات، وهو يبين حال حركة الكفار والمؤمنين وسيرهم إلى مثواهم الأخير.

{ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا}  [الزمر: 71].

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا} [الزمر: 73].

فهل الزمر يعني:

مقدار عددهم

أو الأصوات التي يصدرونها

أو طريقة الحركة وسرعتها

أو مشاعرهم عند سيرهم

بادئ ذي بدء، نلاحظ أنه لم يقل يذهب أو يُدفع أو ينتقل، بل قال يساق، وهو دفع تلك المجموعات البشرية وحثها على الحركة السريعة، فهم كالبهائم التي تساق، وقد وردت آية في حال المجرمين

{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا}  [مريم: 86].

فأما المجرمون فهم أعتى الناس، وأكثرهم استحقاقاً للنار، وهم يدخلون بلا محاسبة، لهذا يساقون سريعاً إلى النار.

كما نلاحظ أن النص الثاني لا يتحدث عن المتقين، بل عن الذين اتقوا، وهم أقل درجة من التقاة، فهم يساقون إلى الجنة خشية عليهم من النار التي تزحف، فالملائكة تحثهم على الحركة وتدفعهم للأمام، أو لأنهم لا يعلمون الطريق فيحتاجون إلى من يدلهم عليها.

{ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }  [محمد: 6].

وهذا ليس حال الشهداء والصديقين والأنبياء والصالحين، فهم المقربون وهم السابقون، وهم أهل الكرامة، فلا يتعرضون لمثل هذه المواقف. وهم ليسوا من المتقين، بل هم الذين اتقوا وهم أقل الناس درجة.

فلهذا نرجح أن الزمر هو نوع من الحركة، فالشخص فيهم يتحرك بسرعة وسط جماعة ضخمة، ففي الغالب، الشخص فيهم يسرع ثم يقع أو يتوقف أو ينحرف عن مساره، في حركة عشوائية غير منتظمة.  

ورد في القرآن المكرم

 

الورد لغة:

أصلان أحدهما الموافاة إلى الشيء والثاني لون من الألوان، فورد عكس صدر، يقال وردت الإبل الماء ترده ورداً. والموارد الطرق. وكذلك المياه المورودة. والوريدان عرقان مكتنفا صفقي العنق. والأصل الآخر للورد هو اللون، يقال فرد وردٌ إذا كان لونه لو الورد ([3])

 

الورد في القرآن

لن نجد في القرآن أي معنى لمفردة الورد سوى انتقال الشخص إلى مكان توفر المياه، فالناس في عطش شديد، وكل الآيات التي وردت في هذا الجذر تعني ببساطة الذهاب إلى مكان الماء يوم القيامة، وعدد الآيات هو تسع آيات وذكرت المفردة إحدى عشرة مرة.

ولنبدأ بتلك الآيات العظيمات:

في نصوص كريمة، فالورود واضح فيها وهو البحث عن الماء مثلك:

{فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ }  [يوسف: 19].

{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}  [القصص: 23].

وبقية الآيات فهي توضح قلة المياه يوم القيامة وفي النار بعد دخولها، فهذا فرعون يتصدر قومه في السير، ويبحث لهم عن الماء يوم القيامة، فتكون النتيجة أنه بدلاً من أن يرد الماء النقي يرد ماء ملوثاً. فيشرب هو وجماعته شرب الهيم.

{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ }  [هود: 98].

والمجرمون يساقون إلى جهنم، وذلك لأنهم يبحثون عن الماء، فتأتي الملائكة تسوقهم نحو المياه المتواجدة في جهنم، دون أن يشعروا بأنها جهنم أو لشدة عطشهم، فلا يبالون بحرارتها، فكما يسوق الراعي ماشيته نحو مصدر المياه، كذلك تسوق الملائكة تلك الجموع نحو مياه جهنم.

{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا }  [مريم: 86].

{ فَشَٰرِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ }  [الواقعة: 55].

كما يبين القرآن حال الآلهة التي يعبدونها وأنهم مجرد أناس ضعفاء يبحثون عن الماء، يوم القيامة، مثل غيرهم.

{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ }  [الأنبياء: 98].

{ لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَٰلِدُونَ }  [الأنبياء: 99].

أما الآية الكريمة:

{ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا }  [مريم: 71].

فهي تتحدث عن بعض البشر وليس كلهم، ولكن يبدو أن (من) أكثر من (بعض) فكثير من البشر، سيمرون على وادي الجحيم، للبحث عن الماء، لكن المقربين لا يحدث لهم ذلك، ولا المتقين ولكن هناك فئة أقل من المتقين وهم الذين اتقوا فهؤلاء أيضاً يخلصهم المولى

{ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }  [مريم: 72].

ومعنى ننجي أن ننقل الشخص أو الجماعة من مكان الخطر إلى مكان السلامة، فهؤلاء الذين اتقوا وهم أقل الدرجات، كانوا يبحثون عن الماء، وقبل أن تحيط بهم النار من كل جانب، خلصهم المولى العظيم، وبقي الظالمون لم يستطيعوا الإفلات.

الخلاصة:

نجد الورد والزمر الوفد هي مجرد حالات لتلك الجماعات البشرية، فالورد هو سعي هؤلاء الناس إلى مصادر المياه حيث العطش الشديد، إذ لم يجدوا الماء الطيب خلال عشرة أيام من أيام الساعة. وأما الوفد، فهو حال الأتقياء منهم حيث سيحشرون في مكان مرتفع حيث يجدون الطعام والشراب، في جنة الأعراف. وهو على أية حال إشارة إلى مقدار تكريمهم.  أما الزمر فهي حالة حركة طائفة من الناس وهم فئتين: فئة المجرمين، وفئة الأقل تقوى، الذين يسميهم القرآن (الذين اتقوا) ثم ينجي المولى هؤلاء قبل أن تحيط بهم النيران، ويترك المجرمين تحاصرهم النيران.

هذا والله العظيم أعلم

علي موسى الزهراني

 

 



([1]) «مقاييس اللغة» (6/ 129)

([2])

([3]) «مقاييس اللغة» (6/ 105) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 789)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -