نكل في القرآن المكرم

 



نكل في القرآن المكرم

نكل لغة:

أصل صحيح يدل على منع وامتناع، والنكل هو القيد وجمعه أنكال، لأنه ينكل أي يمنع. والنكل حديدة اللجام. وناكل عن الأمور أي ضعيف عنها. ورماه بنكلة أي رماه الله بما ينكله. والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان. وأنكالاً أي قيوداً وواحدها نكل. وسميت القيود أنكالاً لأنها تمنع ([1])

من خلال تأمل الآيات المكرمات اللاتي ذُكر فيهن جذر نكل، نعتقد أن معناها هو القيد والمنع والحجز.

ففي آية أهل السبت

{ فَجَعَلْنَٰهَا نَكَٰلًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }  [البقرة: 66].

اتفق أهل التراث في تفسير معنى النكال في هذه الآية، فقالوا هو العقوبة، واختلفوا في معنى ما بين يديها وما خلفها، ففسروا قوله ما بين يديها وما خلفها أي ما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى. ويرى آخرون أن المقصد ما بين يديها من الذنوب وما خلفها من الذنوب. ويرى آخرون أن المقصد بما بين يديها أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم أما ما خلفها فهي عبرة لمن بقي من بعدهم. وفسر آخرون بأن المقصد بما بين يديها أي ما قدموا من ذنوب، وأما ما خلفها أي ذنبهم الذي اقترفوه من يوم السبت. ([2])

وفي تفسير زاد التفسير ذكر أربعة أقوال في تفسير ما بين يديها: فقال بعضهم أنها الخطيئة. والقول الثاني أنها العقوبة. والقول الثالث أنها القرية والرابع أنها الأمة التي مسخت ([3]) .

الرأي المعقول

لو صح فهمنا بأن النكال يعني القيد والحجز، فإن الضمير في قوله ما بين يديها، يشير إلى القرية، فقد أصبحت القرية تقيد وتحجز القرى التي أمامها والتي خلفها، فلا يستطيعون صيد السمك من خلالها بسبب ذلك القيد والحجز الذي حدث في قرية أهل السبت، فقد توقف الناس عن السكن فيها، ربما خشية من أن يمسخوا مثل أهل السبت، أو أن حدثاً كارثياً قد حل بها، فصارت لا تُسكن، رغم أنها أفضل قرية لصيد السمك، فالسمك متوافر لديهم خاصة في اليوم السبت.

أما الآية الكريمة

{ فَقَٰتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا }  [النساء: 84].

قيد الكفار حركة المؤمنين، أي نكلوا بهم، فتعطلت تجارتهم بسبب المخاوف، فتوعد الله الكفار بأنه أشد بأساً أي أكثر قوة عسكرية، وأشد تنكيلاً وهو أقوى منهم في تقييدهم. والتاريخ يبين لنا أن الكفار تعرضت تجارتهم وحركتهم للتقييد بسبب رد فعل المسلمين عليهم، وبسبب تجرأ بعض القبائل عليهم.

أما نكال السارق

{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَٰلًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }  [المائدة: 38].

فالسارق والسارقة يجب قطع أيديهما، وهذا القطع هو النكال، والذي يعني القيد والحجز، وهذا يعني أن ما يفعله المسلمون من بتر يد السارق هو جريمة، فإن القطع هنا قيد وحجز، فقد يكون العقاب بسجن السارق، واليد هنا كناية على قوته فتعطل تلك القوة التي تسرق وذلك بالسجن والقيد. والدليل أن القطع لا يعني البتر أن الله فتح باب التوبة لهؤلاء السرقة في الآية التالية، فلو أن القطع يعني البتر، فلن يحتاج السارق إلى توبة فقد قدم الكفارة والفدية.

ﵟفَمَن تَابَ مِنۢ بَعۡدِ ظُلۡمِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌﵞ [المائدة: 39]

وفي الآية التالية

{ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا }  [المزمل: 12].

الأنكال تختلف عن الأغلال، فالأغلال توضع في العنق، بينما الأنكال توضع في اليد والقدم، فهي تقيد حركتهم، فهم مقيدون يوم القيامة. ويمكن الرجوع في شرح ذلك في المعجم القرآني.

وفي آية فرعون

{ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْءَاخِرَةِ وَالْأُولَىٰ }  [النازعات: 25].

ﵟفَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٢٤ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ ٢٥ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰٓ ﵞ [النازعات: 24-26] 

فسر أهل التراث الآية بأن الأولى هي تكذيبه وعصيانه، والآخرة هي قوله أنا ربكم الأعلى. ويرى بعضهم أن الأولى هي قوله ما علمت لكم من إله غيري، فهم يرون أن نكال يعني ذنب. ويرى آخرون أن المقصد هو عقوبة الدنيا والآخرة أي عقوبة فرعون بالغرق في الدنيا وبالنار في الآخرة ([4])

لكننا لو قبلنا أن النكال يعني القيد فإننا نفسر النص تفسيراً آخر، فالأخذ قد لا يعني القتل والفناء، فقد يعني التعذيب وقد يعني القتل مثل قوله تعالى:

{ كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِءَايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }  [آل عمران: 11].

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }  [الأعراف: 130].

{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ }  [الأعراف: 94].

فهذه النصوص تؤكد أن الأخذ يعني إيقاع العذاب لعل القوم يرجعون، وبهذا يتضح لنا أن أخذ فرعون أي تقييده ومنعه، كان بالآخرة والأولى، وقد يعني (بالآخرة والأولى) ذنوبه الكثيرة التي اقترفها ضد بني إسرائيل وهو قتل أطفالهم واستحياء نسائهم، واستعبادهم، لهذا قيده الله وقيد قوته بسلسلة من الآيات العقوبات

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَٰتٍ مُّفَصَّلَٰتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ }  [الأعراف: 133].

فكان غرض العقوبات هو تقييد بطش فرعون وجنوده، والتي يسميها القرآن نكال. وقد أثمرت هذه العقوبات في ردع فرعون وتخويفه وتقييده هو وجنوده، فصار يخشى المساس ببني إسرائيل، وصار قومه يعترضون على بطشه، لما يؤدي من عقوبات سماوية غير قادر هو وكهنته وآلهته على صدها.

الخلاصة

وبهذا نصل إلى أن معنى النكال هو التقييد والحجز، سواء كان تقييداً مادياً مباشرة بقيود، مثل ما يفعل مع السارق، أو تقييد معنوي مثل تقييد قوة الفجرة، فيتوقفون عن البطش. وهذا المعنى لنكل يمكننا به أن نفسر كل الآيات التي ورد فيها هذا الجذر، ويزيدها منطقية، فلا يحدث ترادف، لأن تفسير معنى نكال بأنه عقاب أو معنى ذنب يعني أن هناك ترادف بين جذر نكل وجذر عقب وجذر ذنب، وهذا محال في القرآن المكرم.

  والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) مقاييس اللغة (5/ 473): المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 2260) الغريبين في القرآن والحديث (6/ 1886):

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» (2/ 431)

([3]) «زاد المسير في علم التفسير» (1/ 75)

([4]) «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 677) «تفسير السمعاني» (6/ 150)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -