المأوى وأوى في القرآن المكرم

 



 

المأوى وأوى في القرآن المكرم

أوى لغة:

أصلان أحدهما هو التجمع والثاني هو الإشفاق. فيقال: أوى الرجل إلى منزله. والمأوى مكان كل شيء يأوي إليه ليلاً أو نهاراً. وأوت الإبل إلى أهلها. والتأوي التجمع. فتأوت الطير أي انضم بعضها إلى بعض.

والأصل الثاني هو ترقق القلب ورحمته، فأويت فلان أي رق قلبي له. وأستأويت فلان سألته أن يأوي لي. واستأويته أي استرحمته. وتأوى الجرح أي تقارب للبرء ([1])

 

أوى ومأوى في القرآن:

في كل القرآن الكريم لا يوجد لهذا الجذر إلا معناً واحداً، وهو انتقال الشخص نتيجة الخوف أو الخطر، من مكان خطير إلى مكان آمن، فصار مستقر له وقرار ومأوى.  

ولا يبين لنا هذا الجذر عن سبب الإيواء، هل هو هروب أم هجرة أم اعتزال أم نجاة؟ لكنه يؤكد لنا أن هذا الشخص انتقل إلى مكان آمن خوفاً من خطر يداهمه أو نتيجة تهديد، فوجد بعد انتقاله أو سفره مأوى يحميه ويمنع الشر عنه. وكل الآيات تؤكد ذلك كما سوف نرى.

الجنة والنار مأوى:

نجد عشرات النصوص تؤكد أن الجنة مأوى للمؤمنين، وهذا مفهوم فهناك براكين وزلازل ومخاطر عظيمة تطاردهم فيهربون منها، فيجدون الملائكة تستقبلهم وتسكنهم جنة المأوى أي الجنات المؤقتة، حتى يحين الحساب.

{فَلَهُمْ جَنَّٰتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا}  [السجدة: 19].

{ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ}  [النجم: 15].

لكن كيف ستكون النار مأوى لأصحاب النار، وهي نار وعذاب؟

ذلك ببساطة لأنهم يهربون من اللابات البركانية والكوارث والزلازل والغرق، فلا يجدون مكان يأوون إليه إلا جهنم، فتحيط بهم وتحاصرهم، ويعيشون فيها في عذاب عظيم، ولكنهم لا يموتون ولو لم يهربوا إليها لماتوا من اللابات.

{ مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }  [آل عمران: 197].

{ أُولَٰئِكَ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا }  [النساء: 121].

وقد تعرضت الكريمة مريم إلى المضايقة والتهديد، فهربت برضيعها إلى ربوة حيث المأوى أي المكان الذي فيه حمايتها هي ورضيعها.

{وَءَاوَيْنَٰهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }  [المؤمنون: 50].

كذلك موسى وغلامه عندما اشتد الحر أويا إلى صخرة تحميهما من حر الشمس فالصخرة كانت إيواء لهما من الحر، ولهذا طلب موسى الغداء

{ قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا الشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا }  [الكهف: 63].

وقد بين المولى حال المهاجرين الذين فروا من العذاب والاضطهاد كيف أواهم إلى المدينة

{ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَءَاوَىٰكُمْ}  [الأنفال: 26].

وأصحاب الكهف هربوا من قومهم واعتزلوهم ولم يجدوا إلا الكهف يأويهم أي يحميهم من شر قومهم.

{ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا }  [الكهف: 10].

ويوسف يأوي أخاه ليكون بجواره من شر إخوته، ويأوي أبويه وإخوته من شر القبائل المعتدية التي زاد نشاطها مع شح الأمطار وقلة الأرزاق.

{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰ إِلَيْهِ}  [يوسف: 69].

{ءَاوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ}  [يوسف: 99].

وهذا ابن نوحٍ يريد الهرب من خطر الماء بالإيواء إلى جبل يعصمه

{ قَالَ سَءَاوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}  [هود: 43].

كذلك أراد لوط أن يتحصن من شر قومه بركن شديد، أي منطقة يصعب عليهم اختراقها وملاحقة ضيوفه فيها.

{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ }  [هود: 80].

الخلاصة

 أن الجذر أوى لا يعني إلا أن الشخص يبحث عن مكان يأمن فيه من الشر أو الضرر، مثل إيواء ابن نوح إلى الجبل، وإيواء موسى إلى الصخرة لتحميه من الشمس، وإيواء أصحاب النار من البراكين إلى وديان جهنم هرباً من الموت المحقق. ومثل إيواء مصر لأسرة يوسف، فصارت مأوى لهم، لأن هناك أخطار في البادية عليهم.

وهكذا تُفهم كل النصوص ويستقيم المعنى، وهو جذر لا يركز على طريقة الانتقال من مكان الشر إلى مكان الخير، بل يركز على أن نهاية الرحلة وهي الاستقرار في مكان آمن سواء استمر لساعات أو بقية الدهر.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (1/ 151) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 2329)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -