معنى عربي وأعراب وعُرباً في القرآن المكرم

 


معنى عربي وأعراب وعُرباً في القرآن المكرم

عرب لغة:

جذر عرب له ثلاثة أصول، وهي: الإبانة والإفصاح، والثاني النشاط وطيب النفس. والثالث فساد في جسم أو عضو.

فالأول مثل: أعرب الرجل عن نفسه. ومثل حديث: الثيب يُعرب عنها لسانها. وحديث: يُستحب حين يُعربُ الصبي أن يقول لا إله إلا الله. وإعراب الكلام من هذا القياس. وسميت العرب بهذا الاسم لأنها من أعرب الألسنة، وبيانها أجود البيان.

وما بها عريب أي ما بها أنيس يعرب عن نفسه. وأعرب الرجل إذا أفصح. وهو عَرباني اللسان أي فصيح. والإبل العِرابُ أي العربية.

والأصل الثاني هو من الضحاكة وطيبة النفس، فيقال امرأة عروب أي طيبة النفس. وعُرُباً أي المتحببات إلى أزواجهن. والعربُ النشاط. والعرب الأثر.

والأصل الثالث من قولهم: عَرِبت معدته أي فسدت. وامرأة عروب أي فاسدة.

ويوم العروبة هو يوم الجمعة. ونهر عرب أي غمر. وبئر عربة أي كثيرة الماء. والعربة هي النهر الشديد الجري. وعَرِب أي نشط. وعرِب الشام أي ورم وتقيح. وتعريب النخل أي قطع سعفه أي تشذيبه. والعرابة شِمال الضرع أي وضع ثوب يغشي به ضرع النعجة. والعَراب شجر مر. واستعربت البقرة أي اشتهت الفحل وعربها الثور([1])

 

العرب في الكتب المقدسة:

أكدت الكتب المقدسة على وجود العنصر العربي، فقد حدث مع تلك الجماعات اقتتال وتعاون وتجارة. وقد بينت تلك الكتب أن هناك ملوكاً عرباً، وقد سلّموا بسلطة النبي سليمان وجلبوا له الذهب والفضة. وكلما غضب الرب على اليهود أثار عداوة العرب ضدهم. كما قتل العرب بعض ملوك اليهود. وقد ورد اسم أحد الملوك العرب وهو جشم، وآخر اسمه أرتاس. وكان اليهود يفرقون بين عرب الحاضرة وعرب البادية والذي نعتقد أنهم الأعراب. كل هذا يؤكد على وجود العنصر العربي منذ القدم ([2])

ذكر العنصر العربي في الحضارة العراقية واليمنية والفارسية واليونانية والرومية

ظهر مصطلح عربي وعرب في الحضارات القديمة، فعند المعينين يعني الرعاة والرحل. وقد ظهر في نقش قديم في القرن السادس قبل الميلاد. واكتشفت نقوش معينية تذكر العرب، وقلة النقوش ليس لانعدام العرب ولكن لأن تلك القبائل العربية صارت تظهر باسم القبيلة وليس الجنس.

كما ظهرت نقوش يمنية تذكر عرب وأعراب. وأعراب هم من يسكن البادية ويتنقل، رغم أن اليمنيين لا يفرقون بين عربي وأعرابي فكلهم من نفس الجنس، ولازال لغاية اليوم يطلق اليمنيون على سكان الشمال الشرقي من بلادهم اسم عرب. وسكان تلك المنطقة هم قبائل كندة، ومذحج ومراد.

كذلك ظهرت في الآثار العراقية لفظة عرب في نص آشوري أيام الملك شلمنصر الثالث. وظهر اسم أمير عربي وهو جندب أو جنديبو ([3]) وكذلك ظهرت في الكتابات البابلية لفظة أرض العرب ومن المحتمل أنهم يقصدون البادية. وحتى عند الفرس باللغة الأخمينية تم ذكر العرب ([4])

وأسكيلوس اليوناني الذي ولد 456 ق. م. هو أول من ذكر العرب وأنه كان هناك ضابط عربي في الجيش. وكذلك ذكرهم هيرودوتس الذي حدد جغرافية بلاد العرب من شرق النيل وكذلك سيناء ثم جزيرة العرب ([5])

وتؤكد المرويات الإسلامية على وجود أرض عربية أطلق عليها اسم جزيرة العرب، بسبب تواجد العنصر العربي فيها، وهذا يؤكد على وجود هذا العنصر منذ القدم([6])

بداية العربية عند أهل التراث:

يزعمون أن أول من تكلم العربية هو يعرب، ولهذا سمي اللسان بالعربية، وبعضهم قال بل العربية منذ بدء الخليقة أي منذ آدم. وبعضهم ذهب إلى أن إسماعيل هو أول من تكلم العربية، وهذا عجيب فإسماعيل حسب قولهم من العرب المستعربة.

ويعرب من قحطان، فهم أول شعب تكلم العربية على عكس العدنانية، ونسبوا لحسان بن ثابت الذي أرجعوه إلى أصل يمني قحطاني أنه عير العدنانية بأعجميتهم لولا قحطان التي عملتهم العربية فقال:

تعلمتم من منطق الشيخ يعرب … أبينا؛ فصرتم معربين ذوي نفر

وكنتم قديمًا ما بكم غير عجمة … كلام، وكنتم كالبهائم في القفر ([7]) 

ويجب ألا نكترث لهذا الشعر المكذوب، فقد ظهر مع ظهور وانقسام العرب إلى جرمين هم القحطانية والعدنانية بسبب التطاحن السياسي وليس لوجود جرمين حقيقين.

بل الآثار والتاريخ يؤكدان على أن ما يطلق عليها القبائل العدنانية جزافاً هي الأكثر معرفة وتحدثاً بالعربية الفصيحة، وأن اليمن لولا القبائل الأعرابية ما عرف العربية، حيث بدأت منذ زمن طويل تزحف تلك القبائل وتعرب اللسان اليمني. الذي كان يسميه علماء اللغة قديماً بالحميرية وأنها عربية ليست كالعربية الفصحى.

ونزعم أن العربية ظهرت مع تصحر الجزيرة العربية قبل عشرة آلاف سنة كما يقول أهل الجغرافيا والجيولوجيا. فاضطر السكان إلى التعربن أي التنقل الدائم.

حقيقة معنى عربي

من خلال الشواهد التاريخية، يتبين لي أن عرب هي المقارب لعبر، أو رديف له، وأنه أطلق عليهم هذا الاسم لأنهم دائماً في عبور وترحال وتنقل، فكما أطلق على اليهود عبرانيون لأنهم عبروا البحر، فكذلك أطلق على العرب كذلك لأنهم عربوا أي انتقلوا وارتحلوا، ولهذا نسمي السيارة الحديثة بالعربية لأنها تعبر وتتنقل، ومنها العربة هي النهر الشديد الجري. وكذلك نجد أن عَرِب أي نشط، وهذا هو طبع الأعراب فهم في نشاط وحركة.

ولهذا نعتقد أنهم أطلقوا على يوم الجمعة يوم العروبة، لأن فيه حركة وتنقلات، وأن الأعراب وغيرهم يأتون من كل حدب وصوب، لكي يبيعوا ويشتروا، فهو يوم عروبة أي يوم حركة ونشاط وتنقل وترحال، وهو يوم جمعة يجتمع فيه الناس في السوق.

وكلمة عرب التي تعني العبور، كانت معروفة في اللغات السامية، ولهذا نجد اسم عربي يطلق على القبائل المتنقلة عند حدود العراق والشام وعند حدود جبال اليمن، وهذا يعني وجود لغة أم قديمة تدرك معنى عرب والذي يعني تنقل ومنه ظهرت كلمة أعراب التي تعني المتنقلون، أو الأكثر عربية أي الأكثر تنقلاً وحركة.

ويمكننا القول إن العبرانيين سموا بذلك لعبورهم البحر، وأن العرب سموا بذلك لعربهم أو عبورهم البر دائماً. فقد لاحظ سكان المنطقة أن هناك ما يميز الأعراب العرب في طريقة الحياة والشخصية والسلوك المميز، فكانوا يخشونهم لما لديهم من قدرة على البطش.

الأعراب هم الأعراب:

وقد رفض بعضهم أن يكون القرآن قد وصف جماعة معينة بأنها أشد كفراً ونفاقاً، لأن في ذلك عنصرية. والذي يتبين أن الأعراب وبسبب حياتهم القاسية جداً، كانوا على ذلك المزاج، خاصة أنهم لا ينتمون لأرضٍ فهم يتنقلون فيجدون صعوبة في الدفاع عن الأرض والمشاركة في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، من أجل أرض ومدينة لا ينتمون إليها بحكم أنهم رحالة متنقلون.

فكفرهم ونفاقهم كان معقولاً وله مبرراته، فهم اعتادوا على الإغارة والنهب ثم الترحال. وهم لا يعرفون الانتماء إلا للقبيلة التي تحميهم من بقية القبائل، فانتمائهم للإسلام كنظام دولة يبدو ترفاً وتكلفاً بالنسبة لهم. لهذا كثر فيهم عدم المشاركة في حروب الرسول، إلا القليل منهم ممن أدرك التحول الحاصل وأن الرسول يؤسس لدولة قوية قادرة على البطش بمن يخرج على نظامها وكيانها، ثم كثرت مشاركتهم وكانوا دعماً عظيماً للفتوحات.

وقد اعتادوا على النهب والسلب، فحياتهم قريبة من الموت، فالجوع دائم والعطش قريب، والهلاك أمام أعينهم، فلهذا كانوا يرون الحل الوحيد هو السلب والنهب، ولديهم من المهارة والقدرة والقوة ما يجعلهم يتفننون في ذلك. ولهذا نجدهم عند الفتوحات الإسلامية بعد أن اطمئن قلبهم للإيمان، يبرعون أشد البراعة، ويدمرون امبراطوريتي الفرس والروم، ويقرعون أبواب الصين، ويمتدون حتى باريس.

وقد أدرك الملك عبد العزيز رحمه الله، هذه الطبيعة في الأعراب فصنع لهم الهجر حيث يستقرون في الحواضر، فيزيد عندهم الشعور بالمسؤولية تجاه الأرض والوطن وقد كانوا خير معين له في فتوحاته العظيمة.

فالأعراب هم الأكثر عربية من غيرهم أي الأكثر ارتحالاً وتنقلاً، فهم يعيشون في البدو كما يقول القرآن التي نسميها البادية. والعرب يشمل الأعراب ويشمل من استقر منهم نسبياً في المدن، كقريش وكندة التي استقرت في مدينة الفاو وإن كان امتدادها بلغ حدود الشام.  

وإذا كان القرآن يصف بعض الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً، فهذا لأنه غريب وغير طبيعي، فالأعراب قوة باطشة لا تحتاج إلى النفاق، فهم أصحاب مواقف واضحة وصريحة لا يخشون أحداً، فكان نفاقهم في زمن الرسول غريباً لأنهم أعراب لا يصح فيهم النفاق، وكان مخفياً عن الرسول وأصحابه، فلو كان الأعراب بهذه الطبيعة لما احتاج القرآن إلى التذكير بذلك، لكن المواقف السياسية في ذلك الزمن وتدخل قوى عظمى كقريش وروما والفرس مهدت لهذا النفاق.

العوامل التي ساعدت على تطور لسان قريش العربي

يبين القرآن طبيعة هذه اللغة العربية فهي بلسان الرسول { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }  [الدخان: 58]. ولسان الرسول هو لسان قومه حتماً فلن يخترع لغة جديدة لا يفهمونها.  والغرض من أن يكون القرآن بلسان قومه كي يبين لهم الحق بلا كلفة ولا جهد { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}  [إبراهيم: 4].

ولم تكن قريشاً هي التي تتكلم بهذا اللسان وحدها، بل منطقة واسعة وكبيرة جداً وهي منطقة القبائل العربية { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا}  [الشورى: 7].

وقريش قبيلة أعرابية في الأساس، كانت تخوض المعارك تلو المعارك، حتى استقرت في مكة على يد قصي فجعلها حضرية، وإن ظل بعضهم أعراباً كما يسمون بقريش الظواهر، وظلوا على أعرابيتهم إلى زمن الرسول على الأقل، وبهذا كانت هذه القبيلة ممن حمل ونقل وطور العربية، فحياة قريش كانت بين بين، أي كانت في مرحلة انتقالية من الأعرابية إلى التحضر، ولكن بأخلاق بدوية نبيلة.

كما أن قريشاً قبيلة تجارية، تبحث عن المفيد والمختصر، فلا تميل إلى التشدق في الكلام أو تحريفه حتى يستطيع الآخرون فهمها، فهم تجار ويحتاجون إلى لغة رصينة يتخاطبون بها مع بقية المدن والقبائل التي عقدت معهم تحالفات وإيلاف.

بل لم يظهر في قريش شاعر كبير، فعندما بزغ الإسلام وسنجد في التراث الإسلامي أن معظم الشعراء، كانوا من سكان المدينة المنورة ومن الأعراب، بينما قريش التجارية فقد اكتفت بفصيح الكلام النثري الذي يوصل المعنى بأقل الكلمات والذي هو أداة فعالة في عالم التجارة والتحالفات السياسية. وهذا ما نجد أثره في القرآن، فالجملة فيه قصيرة وتصيب غرضها، كما هي طبيعة لغة قريش في ذلك الوقت.

ولهذا قال عن القرآن لسان عربي مبين، أي واضح وبائن يفهمه الناس، فليس فيه أي عيوب من عيوب اللهجات العربية الأخرى.

واللسان العربي عربي خالص، ظهر في وسط الجزيرة العربية وغربها وشمالها، نتيجة فعالية الحركة الأعرابية المتنقلة ونتيجة التجارة التي كانت الجزيرة طريق كبير لها.

ولا ننس الحج، الذي هو ملتقى كل القبائل العربية، والذي يستغرق شهوراً، وفيه يتبادلون الكلمات والجمل والأفكار، وهم في عجل وعمل، فيحتاجون إلى تركيز المعاني في جمل قصيرة. كما أن الطائف قريبة من قريش وهم من الذين يحضرون أسواقها كعكاظ، وفيه يتبادلون الثقافة والشعر والأدب.

كذلك يجب أن نؤكد أن قريشاً كانت دولة عظيمة، مهيمنة، فرغم قلة عديدها مقارنة بالقبائل الكبيرة، إلا أنها كانت قوة عسكرية ضاربة، تؤكدها الأخبار كحرب الفجار الأولى والثانية، وظهرت في معارك الإسلام وكيف أن معظم القادة الكبار جداً كانوا من قريشٍ فقط، كخالد وابن العاص ومعاوية وابن الجراح وغيرهم. وهذا يعني سيطرة لسانهم على بقية الألسنة لأن المغلوب يتبع الغالب.

وبهذا وخلال بضعة قرون تكونت العربية الرصينة الفصيحة البليغة، فلما نزل القرآن نزل في وعاء لغة قريش العربية الأكثر وضوحاً وبياناً من بقية ألسنة العرب الأخرى. { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }  [الشعراء: 195] فمبين تعني أنه يظهر ما في النفس والعقل من مشاعر وأفكار بأجلى وأصفى صورة.

وهذا النص الكريم لا ينفي عن بقية اللغات الأجنبية أنها قد تكون مبينة كما العربية، فقد تكون هناك فرنسية مبينة وصينية كذلك، وغيرها من الألسنة. وعلى علماء اللغويات إظهار الفرق بين العربية وغيرها من الألسن، حتى نتأكد أن أبين لغة هي العربية، وهذا ما أظنه من خلال معرفتي القليلة بالألسنة، التي فيها عوج عظيم.

وقد وصف القرآن بأنه بلسان عربي غير ذي عوج { قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }  [الزمر: 28] ليؤكد أن هناك ألسنة عربية فيها عوج، وربما المقصد بها اللهجات العربية مثل لهجة تميم ولهجة هذيل ولهجة الأزد. أو ربما المقصد بها العربية القديمة كالأشورية والبابلية واليهودية التي فيها عوج، فتلك الشعوب كانت أعرابية واستقرت في المدن وتحضرت منذ زمن بعيد.

أما قوله تعالى

{ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَٰهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ }  [الرعد: 37].

فهذا النص موجه أساساً إلى اليهود الذين تفرقوا تجاه الرسول والقرآن، فبعضهم رفض أن يكون القرآن حكماً بالكلية، وبعضهم قبل ببعضه ورفض بعضه، فكان جواب القرآن أن شرائع القرآن التي سمها حُكماً، يجب تطبيقها. أي جاء القرآن لكي يحكم بين الناس ولم يجيء لكي يسليهم ويلهيهم أو يعدهم بالانتصارات على الآخرين دون تطبيق أحكامه، فما جاء به محمد هو تشريع وأحكام يجب تطبيقها وليس تسلية وعبث.

 وبعد أن بين لهم أنه تشريع وأحكام، بين لهم أنه عربي، ورغم أنهم يعرفون العربية، بل بعضهم من أصل عربي أساساً، إلا أنهم كانوا يريدون أن يكون الرسول منهم ويتكلم بلسانهم العبراني وهو عربي قديم، فجاء الرد الحازم والحاسم إن القرآن: أحكام وشرائع يجب تطبيقها، وإنه عربي بلسان غير لسانكم.

معنى عُرباً

لن نتبحر كثيرا في موضوع الحوريات، وسنمر عليها هنا مروراً، فقد وصف القرآن الحوريات بأنهن عُرباً. وشرق القوم فيها وغربوا فذهب بعضهم إلى أنهن المتحببات، وقال آخرون بل المتكلمات بالعربية فصاحة، وقال بعضهم بل المتغنجات، وقال بعضهم بل العاشقات، وقال بعضهم بل الشبقات، وقال آخرون بل الحسنات في الكلام.

وأرجح أنه يقصد أن الحوريات سلوكهن يشبه سلوك الأعرابيات في البادية أو شبههن في الشكل، لهذا قال في آية أخرى أنهن مقصورات في الخيام. فإن كان يقصد السلوك ففي الغالب أنه يقصد تلهف الأعرابية لزوجها الذي نجا من المخاطر وعاد سالماً، فحبها له ظاهر وبائن، بينما الحضرية التي تعيش في المدن وزوجها أمامها كل حين، فلن تظهر ذلك الشغف والحب، بحكم العادة وليس لانعدامه.

وقد يكون المقصد الهيئة والشكل، فالأعرابية بحكم أنها تعمل ليل نهار، وتطارد البهائم، فهي رشيقة وذات قوام جميل، وأكلها قليل فلا يوجد لديها تكدس كما عند الحضرية، وقد تكون الأعرابية ذات لون أسمر بسبب الشمس، وجلد متيبس بقوة الجفاف، لهذا قال القرآن عنهن أنهن مقصورات في الخيام لا ينتقلن عنها، فلا سمار فيهن ولا جفاف، فلونهن قمحي لهذا أطلق عليهن لفظة حور. ولهذا نكاد أن نجزم أن المقصد من العُربة كصفة للحورية، هو أنها أعرابية متحببة إلى زوجها شغوفة به، كذلك هي رشيقة.

الخلاصة:

أن الأمم المحاذية للجزيرة قد لاحظت أن هناك قوماً يختلفون عنهم في المعيشة والتصرفات، وأن تلك الأمم لم تكن تقصد إلا من كان يعيش حياة بدوية، وقد امتاز العرب بأخلاق وسلوكيات ميزتهم عن غيرهم، ناهيك عن طرق معيشتهم ووسائل تنقلهم، وأنه بسبب تنقلهم الدائم واحتكاكهم ببعضهم تشكل اللسان العربي المرن والعملي والبائن.

وأرجح أن عرب مقارب لعبر، وأنهم لكثرة عبورهم وتنقلهم وترحالهم أطلقوا على أنفسهم عرباً وكذلك أطلقها عليهم الآخرون. وهي من (عبر أو بديل عنه) فهم عابرون دائماً. مثل العبرانيين الذين سموا بذلك لعبورهم.

وأنهم كانوا يطلقون على أنفسهم عرباً وأعراباً ليس كجنس محدد ولكن لأنهم رحالة متنقلون عابرون، فإذا تميزوا أيضاً بسلوكيات وطريق معيشة معينة جعلت هذا التميز بينهم وبين سكان المنطقة ظاهراً. وأكثر ما يميزهم هو القوة العسكرية التي جعلتهم يُذكرون في كل حضارة اتصلت بهم.

أما نسبهم فلا يمكن التعويل عليه كثيراً، ذلك لأنهم قد يستقرون في الحواضر فيصبحون حضراً، وقد تتعرب القبيلة المتحضرة كما شاهدنا في يعقوب وإسحاق كيف تنقلوا من التحضر مع إبراهيم، ثم التعرب، ثم التحضر مرة أخرى مع يوسف ثم بعد ذلك الهجرة إلى الصحراء مع موسى.

ونقاء العرق التام مستحيل في هذه البيئات، فهناك تحالفات تجعل القبائل المتحالفة تنتسب إلى جد واحد وهمي، حتى يتعاضدوا. وقد تتفكك القبيلة إلى قبائل أصغر منها، وتلك القبائل تنضم إلى قبائل بعيدة عنها في النسب على أنه من المرجح أنهم يرجعون إلى أصل قديم واحد عندما تصحرت الجزيرة العربية فتعربوا معها أي صاروا رعاة متنقلون، ولكن من المؤكد أن هناك تشابه كبير في العادات والسلوكيات والأخلاق واللسان، جعلهم يتميزون عن غيرهم من أهل الحواضر.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (4/ 299) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (3/ 1439)

([2]) أنظر المراجع: سفر الملوك الأول 10: 15 - سفر أخبار الأيام الثاني 9: 14- سفر أخبار الأيام الثاني 21: 16 - سفر أخبار الأيام الثاني 22: 1- سفر أخبار الأيام الثاني 26: 7- سفر نحميا 2: 19- سفر إشعياء 21: 13- سفر إرميا 25: 24- سفر المكابيين الأول 12: 31- سفر المكابيين الثاني 5: 8- سفر أعمال الرسل 2: 11

([3]) «المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام» (1/ 16)

([4]) «المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام» (1/ 17)

([5]) «المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام» (1/ 21)

([6]) مسند أحمد مخرجا (43/ 371)

([7]) «المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام» (1/ 15) 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -