عبد الله بن سلام وذريته

 



عبد الله بن سلام وذريته

انتظر معظم اليهود أن يأتيهم المخلص، الذي ينتشلهم من ضعفهم ويوحد كلمتهم، ويعيد مجدهم فلما ظهر الرسول عليه السلام دخل كثير من يهود المدينة إلى الإسلام، وقد تبين لنا أن كل أهل المدينة هم من أهل الكتاب، وقد تكون القبيلة منقسمة ففيهم عشائر يهودية وفيهم نصرانية، ومن حظ يهود المدينة أنهم كانوا أميين لا يعرفون في دينهم إلا (أماني) كما ذكر القرآن، وأن أحبارهم ضعفاء في المستوى العلمي، أو أنهم في ريب من كتابهم ودينهم كما يقول القرآن، فجعل إقبالهم على الدين الجديد سهلاً، فلا عوائق اجتماعية وعقائدية كبيرة تقف في طريقه.

 كذلك من حسن حظهم أنهم كانوا يتعصبون للقبيلة أكثر من تعصبهم للديانة، وكانوا قبائل عربية خالصة، فسهل على كثير من عشائرهم ترك الدين اليهودي بالكلية والتوجه نحو الإسلام. فقد جاء المخلص، حتى لو لم يكن من نسل داوود. خاصة وأن تلك القبائل لم تكن -في معظمها- إسرائيلية بل عربية قحة، تهودت مع ظهور داوود وسليمان، فلا يوجد تعصب عرقي عندهم.

نسب عبد الله وهل ترك اليهودية؟

ومن هؤلاء عبد الله بن سلام وكان اسمه حصين فغيره إلى عبد الله وقيل إن الرسول غيره([1])  وهو من قبيلة قينقاع، وتزعم المصادر أن بني قينقاع من نسل النبي يوسف، وبعض الكتب تقول إنه خزرجيٌ بالحلف، فقد صار حليفاً للقواقلة الخزرجين ([2])  ويرى صاحب كتاب معرفة الصحابة أن عبدالله بن سلام خزرجي، وأنه من بني قينقاع ([3])  فإذا صح كلامه فهذا يعني أن قينقاع عشيرة من عشائر الخزرج، بينما يرى صاحب سير أعلام النبلاء أنه حليف الأنصار ([4]) ولم يحدد أي عشيرة من عشائر الأنصار، كما أن حلفه مع بعض عشائر الأنصار لا ينفي أنه خزرجي أو أوسي.

وعلاقة النسب بين الأنصار واليهود يؤكدها القرآن فهم إخوة لهم، تحول الأنصار إلى الإسلام وبقي بعض العشائر على يهوديتهم يقول المولى

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَٰنِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَٰبِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ }  [الحشر: 11].

وقد اختلفوا في وقت إسلامه فقيل إنه سافر إلى مكة ليسمع الرسول مباشرة فآمن به، ونصوص القرآن تؤكد أن هناك من أسلم من اليهود قبل هجرة الرسول، بل هو من زعم أن هناك آيتين نزلت فيه ([5]) وهي:

 { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَٰءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَءَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} ([6])

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَٰبِ}([7])

وقيل، بل أسلم يوم هجرة الرسول عليه السلام وقيل، بل أسلم قبل وفاة الرسول بسنتين، وقد يكون من اليهود الطيبين الذين آمنوا بالتوراة والقرآن معاً أو كان يعترف بنبوة الرسول عليه السلام دون أن يترك يهوديته، ثم انتقل إلى الإسلام بالكلية قبل وفاة الرسول بسنتين ([8]) ففي أمثاله نزلت الآية الكريمة

{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْءَاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } ([9])

والراجح أنه احتفظ بدينه اليهودي لأسباب اجتماعية وروحانية، كما تقبل الدين الجديد بسبب صدقه ومطابقته للحقيقة، ولجمال أخلاق الرسول عليه السلام. ونلاحظ أن علماء المدينة اليهود ضعفاء في المستوى العلمي مقارنة بيهود اليمن الذين استطاعوا نقل كثير من عقائد اليهودية إلى الإسلام من خلال تمريرها بواسطة الأحاديث، فلا نجد عند يهود المدينة أي أثر كبير مثل يهود اليمن (الأبناء)، وقد لاحظ ذلك ابن خلدون ([10]). ولعل التأثير الاجتماعي الضاغط ساهم في تحول سريع ليهود المدينة إلى الإسلام، على عكس يهود اليمن.

وحاولت المرويات أن تنفي عنه صفته اليهودية وأنه ترك اليهودية بلا رجعة وذلك باختلاق روايات يشتمه الناس بأنه يهودي، ففي رواية قالوا له: " كَذَبَ الْيَهُودِيُّ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ: كَذَبْتُمْ وَاللَّهِ وَأَثِمْتُمْ، مَا أَنَا بِالْيَهُودِيِّ" ([11]) وفي رواية قالوا له: "يَا يَهُودِيُّ، أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَكَ" ([12])وحتى اليهود قالوا فيه: " كَذَبَ الْيَهُودِيُّ كَذِبَ الْيَهُودِ. فَقَالَ: " كَذَبْتُمْ وَاللَّهِ وَأَثِمْتُمْ، مَا أَنَا بِيَهُودِيٍّ، إِنِّي لَأَحَدُ الْمُؤْمِنِينَ"([13])ويبدو أنه كان فعلاً يهودي ومات على يهوديته مع توقيره للإسلام فدائماً يستعين بكتاب اليهود فيقول "وَجَدْتُ فِي كِتَابِ يَهُودَ" ([14]) ويقول في مناسبة أخرى " مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ"([15]) وقد استمر في قراءة التوراة حتى بعد وفاة الرسول؛ فيقول: " أمرنى رسول الله أن أقرأ القرآن ليلةً والتوراةَ ليلةً " ([16])

وهناك أخبار تبين أن لعبد الله بن سلام ابن اسمه أحمد قام بنقل كتاب المزامير إلى العربية، فهو من مترجمي التوراة والإنجيل، وقد بين أن عدد المزامير هو (150) مزمور وهو عدد صحيح مما يدلل على علمه بكتبهم([17])   أي أنهم استمروا على اليهودية ولم يكونوا يعانون اضطهاداً أو تعصباً ضدهم، إلا الضغط الاجتماعي.

كما ذكر أحمد أنه تخصص في نقل الأخبار عن كبار اليهود مثل: أبيه عبد الله بن سلام ([18])  ويامين بن يامين ووهب بن منبه وكعب الأحبار وابن التيهان وبحير الراهب. كما ترجم التوراة والإنجيل إلى العربية من لغتهما الأصلية: العبرانية واليونانية والصابية ترجمة دقيقة بدون أن يدخل فيها محسنات لفظية خشية التحريف ([19])

عبد الله بن سلام من المبشرين بالجنة:

وهو - حسب المرويات - من المبشرين بالجنة، فهذا سعد بن أبي وقاص، يسمع الرسول يشهد لعبد الله بن سلام بالجنة يقول الرسول عليه السلام: " لَيَطْلَعَنَّ مِنْ هَذَا الْمَنْقَبِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " ([20]) فخرج عبد الله بن سلام وقد ذُكرت هذه القصة بطرق مختلفة ([21]) بل يروى البخاري رواية عن الرسول على لسان سعد أنه سمع الرسول يقول: "ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة؛ إلا لعبد الله بن سلام"([22]) وتستمر المرويات التي تؤكد قصة بشارة ابن سلام بالجنة في صحيح مسلم ومسند أحمد ومسند سعد بن أبي وقاص ([23]) ولا نعلم سبب حرصهم على إدخال عبد الله بن سلام الجنة؟ وأرجح أن عبد الله بن سلام لم يتحول بالكامل إلى الإسلام أي ظل على يهوديته مع توقيره للإسلام، أو هكذا ظن الرواة لهذا أرادوا إزاحة هذه التهمة عنه-إن كانت تهمة- وتأكيد تخلصه من اليهودية، ولا أحسن من الزعم أنه من أهل الجنة لكي يثبتوا تحوله الكامل إلى الإسلام.

موهبة عبد الله بن سلام في التنبؤ بالمستقبل:

لكن أولاده وأحفاده ومحبيه، قد جعلوا لديه القدرة على التنبؤ بسبب يهوديته وما تعلمه من كتب الأولين، فمن ذلك زعمه أن عيسى سيخرج في آخر الزمان، ثم يموت، ثم يُقبر في نفس الغرفة التي قُبر فيها الرسول عليه السلام وبين أنه أخذ هذا العلم من التوراة، وقال: "نجد في التوراة..." ([24]). كما زعم أن الدمار سيحل بالمسلمين من بني أمية حتى يخرج العباسيون برايات سود من خراسان يخلصون الأمة منهم ([25]) وواضح أن الحديث سياسي اختلق في زمن العباسيين كي يضفي عليهم الشرعية. ومن المؤكد أن عبد الله بن سلام لم يختلقه، ولكن المختلق أحد الرواة المتأخرين، وأنه وجد أن عبدالله بن سلام يصلح أن يكون متنبئً، لأن أصوله يهودية ويعلم بالكتب المقدسة التي فيها نبوءات آخر الزمان، فنسبة هذه القصص إليه تزيد من احتمالية تصديقها عند الناس.

ومن نبوءاته أن هناك مطر سيهطل في المدينة أربعين ليلة ([26]) وله حديث آخر يقول فيه: "يَمْكُثُ النَّاسُ بَعْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ أَرْبَعِينَ عَامًا وَيُغْرَسُ النَّخْلُ وَتَقُومُ الْأَسْوَاقُ" ([27]) فلعل هذه الفئة اليهودية النصرانية هي من كانت تنشر هذه الخزعبلات، فعندما خرج المخلص محمد عليه السلام لم يقتنعوا به فانتظروا مخلصاً آخر يعيد لهم المجد اليهودي.

كما حذر ابن سلام المسلمين من خطورة قتل عثمان، لأن الأرواح ستُزهق من بعده إلى يوم القيامة ([28]) وطلب من الثوار المجرمين أن يتركوا عثمان (18) يوماً لأنه سيموت قبلها، وفي رواية يقول لهم: "فَلَا تَعْجَلُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَتْلٍ الْيَوْمَ، فَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ، نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ" ([29]) ويقصد (في كتاب الله) التوراة أو التلمود. وفي رواية أخرى ينسب نبوءة إلى الرسول عليه السلام فيقول على لسانه: "يَا عُثْمَانُ أَنْتَ عِنْدَنَا غَدًا، وَأَنْتَ مَقْتُولٌ غَدًا" ([30])

ولازال أهل الرواية يعتقدون في الأحبار اليهود إمكانيات علم الغيب، بما لهم من معرفة في كتب اليهود؛ فهذا عبد الله بن سلام يقول: "قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ يَهُودَ الَّذِي لَمْ يُبَدَّلْ وَلَمْ يُغَيَّرْ أَنَّهَا تَكُونُ هَهُنَا مَقْتَلَةُ قَوْمٍ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاضِعِي سُيُوفِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الرَّحْمَنَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيقفون بَين يَدَيْهِ وَيَقُولُونَ قتلنَا فِيك" ([31]) وفي رواية يصرح عبد الله بن سلام لعثمان أنه الخليفة المقتول فيقول له: "إِنَّكَ لَفِي كِتَابِ اللَّهِ الْخَلِيفَةُ الْمَظْلُومُ الْمَقْتُولُ" ([32]) بل يتنبأ عبد الله بن سلام بمصير الأمة بعد عثمان إلى يوم القيامة فيقول: "لَا خَلِيفَةَ نُبُوَّةٍ بَعْدَهُ، السَّيْفُ لِمَنْ غَلَبَ" ([33]) وهذا يعني مقدار انبهار أهل الرواية بالتوراة والتلمود، فيقصدون بـ (كتاب الله) التوراة والتلمود، فلا يوجد في القرآن أي إشارة لمقتل عثمان مطلقاً كما نعلم، لهذا نجدهم يبحثون في تلك الكتب المقدسة أو يسمعون للأحبار المؤمنين أو الذين تظاهروا بالإيمان، ينقلون عنهم كل التعليمات والعقائد والنبوءات والأخبار، خاصة وأن القرآن فيه بعض الصعوبات في الفهم، ويحتاج إلى قراءة دائمة لا تنقطع لكي يستطيع المتعلم النهل منه، لإنه كتاب عميق وعلمي ودقيق جداً ومختزل، ولكن كتب اليهود سهلة تشبه كتب الحديث فهي مجرد قصص وأخبار، كما أن نسخ القرآن لم تكن متوفرة، والقراء قليلون.

تمجيده لبيت المقدس والشام:

ولعبد الله بن سلام أحاديث في تمجيد بيت المقدس كعادة أهل المدينة لأنهم أهل كتاب؛ فمن ذلك حديث نسبه عبد الله بن سلام إلى الرسول: " إذا كان يوم القيامة قام ملك الموت على صخرة بيت المقدس، وهي أوسط الدنيا، وأقصى المساجد، وأكرم المساجد كلها بعد مكة " ([34]) ونلاحظ أن ابن سلام يزعم أن بيت المقدس أفضل من المسجد النبوي بالمدينة، ويزعم أن الناس سيجتمعون هناك كلهم فيقضي عليهم ملك الموت. بل زعم ابن سلام فقال: ": من صلى في بيت المقدس ألف ركعة عن يمين الصخرة وعن يسارها دخل الجنة قبل موته " ([35]) فيزعم أن المصلي إذا صلى عند بيت المقدس ألف ركعة دخل الجنة. ولعبد الله نصيحة يدعو الناس فيها إلى الحج إلى قبر النبي إبراهيم في الشام، فيقول: "إن الزيارة إلى قبر إبراهيم -عليه السلام- والصلاة عنده حج الفقراء، ودرجات الأغنياء" ([36]) وهذه المرويات يقصد بها صرف المسلمين عن مقدساتهم إلى مقدسات اليهود، أو إضفاء الشرعية على مقدسات اليهود والنصارى حتى لا يتعرضوا إلى أذى أو محاولة لتحريف دين المسلمين ورفع مكانة دين أهل الكتاب. أو لدفع المسلمين لتحرير بيت المقدس من النصارى الذين تسلطوا على تلك المنطقة ومنعوا اليهود من دخولها.

وهذا التوجه اليهودي والنصراني لتبجيل الشام وبيت المقدس، قد ذكره القرآن عدة مرات، وأمرهم بالتوجه إلى قبلة الكعبة بدلاً من الشام وأن بيت الله هو الكعبة، وأنه أول بيت وضع للناس، وأنه هو مكة وهو بكة. وقد شرحنا ذلك في مقال عن مكة وبكة.

قصة دحية الكلبي:

وقد روى في تفسير الآية { وَإِذَا رَأَوْا تِجَٰرَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ([37])  أن الرسول كان يخطب فتركه القوم عندما أقبل جبريل في صورة دحية الكلبي الفائق الجمال ([38]) وهذا تفسير شنيع وفظيع، ولا يقول به إلا شاذ منحرف، فلم يكن هؤلاء الرجال الأبطال ليتركوا الرسول ويتأملوا في جمال رجل مثلهم إلا لو كانوا من قوم لوط.

وإحقاقاً للحق فإن هذا التفسير وهذا الخبر لم يذكره ابن سلام لوحده فقد ذكره جمع غفير من الصحابة كابن هريرة وابن عباس وجابر وغيرهم، وكلها أسانيد باطلة وروايات ساقطة وفرية على الصحابة الكرام ([39])

 

موقف الشيعة من عبد الله بن سلام

يبدو أنه ليس في مصادر الشيعة أخبار عن عبد الله بن سلام، وإنما ينقلون من مصادر السنة، وبما أن السنة يزعمون أن ابن سلام كان مع عثمان، وضد علي فإنهم يعتبرون ابن سلام منافق بل لم يتحول إلى الإسلام على الحقيقة.

ولا نلوم الشيعة في موقفهم هذا، فما ينقلونه من أخبار هي من مصادر السنة نفسها، كما رفض الباحثون الشيعة أن يكون نزل شيء من القرآن على عبد الله بن سلام وأن آية (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَٰءِيلَ) لم تنزل في ابن سلام واستندوا إلى أقوال السنة كالشعبي وعكرمة ومسروق والطحاوي وغيرهم.

كذلك آية (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَٰبِ) فقد انكر نزولها في ابن سلام عدد من التابعين مثل عكرمة والحسن وابن جبير وابن سيرين، لأن السورة مكية وابن سلام آمن بعد الهجرة. ويزعم الشيعة -كما هي عادتهم - أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب فهو الذي عنده علم الكتاب، وقد رواها جمع مثل ابن عباس والخدري، وابن الحنفية، ومحمد الباقر وآخرون.

ويرى أحد الباحثين الشيعة أن تفسير هذه الآية وإسقاطها على ابن سلام هو من فعل معاوية بن أبي سفيان، لأنه دعم الأمويين على حساب علي بن أبي طالب.

والحقيقة إن عدم وجود أخبار لابن سلام في المصادر الشيعية، يجعلنا نزيد في شكلنا بوجود هذه الشخصية، وأنها شخصية مختلقة قام بصنعها حزب الأمويين وحزب العلويين، أو شخصية موجودة، ولكن اسقطت عليها كثير من الاساطير والإشاعات والأخبار الكاذبة، فتضخمت في أدوارها، وهذا ليس بمستبعد وقد كان أهل الكتاب هم المتحكمون في الروايات ونقلها.

ذرية عبد الله بن سلام:

         ذكرت كتب التراث عدة أسماء لذرية عبد الله بن سلام، صحيح أن دورهم الثقافي كان محدوداً إلا أن لهم بعض المساهمة وهذا احتمالية صدق وجود شخصية عبد الله بن سلام. والقرآن يثبت وجود شخصيات مثل عبد الله بن سلام، الذي مزج بين اليهودية والإسلام، فقد آمن بما أنزل على محمد وآمن بما أنزل من قبله، فالتوراة كتاب الله وفيها خير ورحمة ونور، وقد أمر القرآن هؤلاء القوم إلى الاحتكام إلى كتابهم وتطبيق شريعتهم والتخلص من الريب الذي أصابهم، لكن بشرط أن يكون القرآن هو المهمين في القضايا المسكوت عنها أو الغامضة، أو المستجدة.

وأول ذريته هو يوسف بن عبد الله بن سلام، وتزعم الروايات أنه صحابي وأن الرسول هو الذي سماه بهذا الاسم ([40]) ثم يختفي من التاريخ ولم نعد نجد له ذكرا إلا معارضته لبني أمية؛ فعندما مر بدار مروان بن الحكم قال: "وَيْلٌ لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ حَتَّى تَخْرُجَ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ" ([41]) والرواية تزعم أن يوسف معارض لبني أمية يتنبأ بتدميرهم للأمة ثم يتنبأ بظهور العباسيين يخلصون الأمة.

 لكن ابنه محمد بن يوسف يظهر في خبر واحد وهو حضوره عند الحجاج بن يوسف وقد طلب منه الحجاج أن يعيد على مسمعه قصة بطولات جده عبد الله بن سلام مع عثمان بن عفان ([42]) ولعله يستعطفه ليساعده ببعض المال لأن هذه طبيعة أهل الرواية يستعطفون أصحاب السلطة، فيختلقوا لهم روايات تؤيدهم وتسليهم، حيث أورد له حديثاً عن فضل عثمان وموقف جده المناصر له. وعثمان شخص مهم جداً عند الأمويين وهو منهم، وهذا يعني أن محمد كان مؤيداً للأمويين على عكس أبيه يوسف.  

ثم يظهر حمزة بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام كالشبح، فلا أخبار عنه مطلقاً ولا يدلي بدلوه في بئر المرويات، لكن ابنه محمد بن حمزة هو الذي يروي قصص جده، وقد زعموا أنه صدوق، وسنلاحظ أنه لا يروي عنه إلا شخص واحد هو الوليد بن مسلم ولولا روايات الوليد عن محمد بن حمزة لما عرفنا بوجوده وكأنه شخصية مختلقة، والوليد مدلس ومن العبيد ([43])

الخلاصة:

إنه من المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سلام (شخصية حقيقة تماماً، لوجود ذرية حملت اسمه وكانت لها أدوار علمية معقولة، كما أنه نموذج ليهود ذلك العصر، أو لبعضاً من أفرادها ممن قبل الإسلام واستمر على يهوديته، وقد يكون ابن سلام وجيهاً أو شيخ قبيلة له اعتباره، أو عالماّ في اليهودية، له مكانته، وأنه ممن تمسك بيهوديته لأسباب اجتماعية ودينية، لكنه مع الزمن ومع تفكك اليهود بالمدينة وزوالهم التدريجي وخروج كثير منهم منها أو طرد بعضهم؛ فلم يعد المانع الاجتماعي موجوداً، فتحول إلى الإسلام بالكلية قبل وفاة الرسول بسنتين كما تقول المرويات؛ لكننا إذا قبلنا بشخص ابن سلام فلن نقبل معظم مروياته التي تزعم أنه في الجنة، أو تلك التي تزعم قدرته على التنبؤ بالمستقبل أو تلك التي تضفي على بلاد الشام قدسية لا أصل لها في الدين، بيد أن مروياته الأخرى، معقولة مقارنة بغيره من اليهود الذين أسلموا ونقلوا التراث التوراتي مباشرة، فهي قريبة من روح الإسلام ([44])

كذلك نجد العلة الدائمة، وهي أن الرواة في الغالب من أقارب الشخصية المترجم لها، فنجدهم يضفون المجد والعظمة على جدهم باختلاق تلك القصص البطولية والروحانية، والتبشير بالجنة، لهذا يجب التعامل بحذر مع أخباره هو وأمثاله.

 

 



([1])جزء أبي الطاهر (ص: 38)

([2])معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1665). سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 414)

([3]) معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1665) 

([4]) سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 413) 

([5])تاريخ المدينة لابن شبة (4/ 1182)

([6])[الأحقاف:  10]. 

([7])[الرعد: 43].

([8])سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 414)

([9])[البقرة:  4]

([10])«تاريخ ابن خلدون» (1/ 555):

([11])«فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل» (1/ 476) تاريخ المدينة لابن شبة (4/ 1182) 

([12])تاريخ المدينة لابن شبة (4/ 1185)

([13])مختصر صحيح الإمام البخاري (2/ 562)

([14])«المحن» (ص185)

([15])«سنن الترمذي» (6/ 12 ت بشار):

([16])«الطبقات الكبير» (5/ 383 ط الخانجي):

([17]) «الفهرست» (ص38 ت إبراهيم رمضان)

([18]) الخبر الوارد في الفهرست لم يبين لنا جزماً هل أحمد هو ابن عبد الله بن سلام أم مجرد توافق الاسم فقط، ورغم أنه يقول إنه ينقل عن عبدالله بن سلام ووهب بن منبه، فلا ندري هل ينقل سماعاً أم من خلال وسطاء أو كتب. لأن ابن النديم يذكر أن أحمد هذا كان معاصراً لهارون الرشيد، فإن كان كذلك فهو حتماً ليس من أولاد عبد الله بن سلام لبعد الزمان بينهما.

([19]) «الفهرست» (ص37 ت إبراهيم رمضان)

([20])حديث مصعب الزبيري (ص: 70)

([21])لسان الميزان ت أبي غدة (9/ 43)

([22])مختصر صحيح الإمام البخاري (4/ 77)‏

([23])مسند سعد بن أبي وقاص (ص: 111) مسند أحمد مخرجا (3/ 63) صحيح مسلم (4/ 1930)

([24])«الفتن لنعيم بن حماد» (2/ 580):

([25])«الفتن لنعيم بن حماد» (1/ 208):

([26]) «مسند الشافعي - ترتيب سنجر» (2/ 66):

([27])«مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 493):

([28])«مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 519):

([29])«فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل» (1/ 476):

([30])«مسند خليفة بن خياط» (ص46):

([31])«المحن» (ص185):

([32])تاريخ المدينة لابن شبة (4/ 1177) سنجد كعب الأحبار يتنبأ بمقتل عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام كما فعل عبد الله بن سلام.

([33])حديث هشام بن عمار (ص: 87)

([34])فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي (ص: 147)

([35])فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي (ص: 144)

([36])فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي (ص: 470)

([37])    [الجمعة: 11]

([38]) «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (2/ 378)

([39]) «موسوعة التفسير المأثور» (21/ 646)

([40])مسند أحمد مخرجا (26/ 330)

([41])«الفتن لنعيم بن حماد» (1/ 208)

([42])تاريخ المدينة لابن شبة (4/ 1182)

([43])«تقريب التهذيب» (ص584):

([44]) ومن ذلك روايته لحديث الرسول: " يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" الفوائد لتمام الرازي (2/ 36) 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -